عندها تذكر توماس حكاية أُوديب. أُوديب أيضاً لم يكن عارفاً بأنه يضاجع أمه، ومع ذلك فإنه عندما عرف بالأمر لم يجد نفسه بريئاً. ولم يستطع تحمل مشهد الشقاء الذي سببه جهله ففقأ عينيه وغادر «ثيب» وهو أعمى.كان توماس يسمع زعيق الشيوعيين وهم يدافعون عن براءة ذمتهم، ويفكر: بسبب جهلكم فقد هذا البلد حريته لقرون عديدة مقبلة وتزعقون قائلين بأنكم أبرياء؟ كيف تجرؤون بعد على النظر حواليكم؟ كيف، ألم تصابوا بالهلع؟ أو لا عيون لديكم لتبصروا! لو كانت عندكم عيون حقاً لكنتم فقأتموها وغادرتم «ثيب»!كانت هذه المقارنة تروق له إلى حد أنه كان يستعملها مراراً في أحاديثه مع أصدقائه، وكان يعبّر عنها بعبارات أكثر لذعاً وأكثر فصاحة.
Like (0)Dislike (0)
أثناء النهار، كانت تيريزا تحاول جاهدة (لكن دون أن تتمكن فعلاً) لأن تصدق ما يقوله توماس وأن تكون سعيدة كما فعلت حتى الآن. غير أن الغيرة المكبوتة في النهار كانت تظهر بشكل أكثر عنفاً في أحلامها التي تنتهي دائماً بنحيب لا ينقطع إلا حين يوقظها توماس. كانت أحلامها تتكرر على شكل حلقات متنوعة أو مسلسلٍ تلفزيوني. ثمة حلو كان يتكرر باستمرار على سبيل المثال، وهو حلم الهررة التي تقفز إلى وجهها مُنشبة مخالبها في جلدها. في الحقيقة يمكن تفسير هذا الحلم بسهولة: الهرة في اللغة التشيكية كلمة عامية تعني فتاة جميلة. كانت تيريزا إذاً تشعر أنها مهددة من النساء، كل النساء. فالنساء كلُّهن عشيقات محتملات لتوماس ولهذا فهي تخاف منهن.
Like (0)Dislike (0)
الموسيقى بالنسبة لفرانز هي الفن الأكثر قرباً من الجمال الديونيسي الذي يقدّس النشوة. يمكن لرواية أو للوحة أن تدوّخنا ولكن بصعوبة. أما مع السمفونية التاسعة لبيتهوڤن، أو مع السوناتة المؤلفة من آلتيْ بيانو وآلات النقر لبارتوك، أو مع أغنية للبيتلز، فإن النشوة تعترينا. من جهة أخرى فإن فرانز لا يفرّق بين الموسيقى العظيمة والموسيقى الخفيفة. فهذا التفريق يبدو له خبيثاً وبالياً، فهو يحب موسيقى الروك وموزار على حد سواء.الموسيقى بالنسبة له محرّرة: إذ تحرره من الوحدة والانعزال ومن غبار المكتبات. وتفتح في داخل جسده أبواباً لتخرج النفس وتتآخى مع الآخرين. كما أنه يحب الرقص إلى جانب ذلك ويشعر بالأسى لأن سابينا لا تشاركه هذا الولع.
Like (0)Dislike (0)
وأن هناك أيضاً وأيضاً كواكب أخرى حيث يمكن للجنس البشري أن يلد من جديد مرتقياً في كل مرة درجةً (أي حياة) على سُلَّم الكمال. تلك هي الفكرة التي يكوّنها توماس عن العَوْد الأبدي. نحن أيضاً سكان هذه الأرض (أي الكوكب رقم واحد، كوكب انعدام الخبرة)، ليس في إمكاننا طبعاً إلا أن نكوّن فكرة غامضة جدًا عما سيصير بحال الإنسان في الكواكب الأخرى. تُرى هل سيكون أكثر ثقلاً؟ هل سيكون الكمال في متناول يده؟ وهل سيتمكن من الوصول إليه بواسطة التكرار؟ضمن أفق هذه اليوطوبيا وحده، يمكن لمفهومي التشاؤم والتفاؤل أن يكون لهما معنى: فالمتفائل هو ذلك الذي يتصور أن التاريخ الإنساني سيكون أقل ديمومة على الكوكب رقم ٥. والمتشائم هو ذلك الذي لا يصدّق هذا الأمر.
Like (0)Dislike (0)
في سفر التكوين، عهد الله إلى الإنسان بالسيادة على الحيوانات. وبإمكاننا أن نفسر ذلك قائلين إن الله قد أعار هذه السلطة له. الإنسان ليس مالك الكوكب بل وكيله وعليه ذات يوم أن يقدم كشفاً لحسابه. ديكارت ذهب أبعد من ذلك في هذا المنحى: جعل الإنسان «سيد الطبيعة ومالكها». وهو منطقي جداً بالتأكيد فيما يتعلق بنفيه لوجود الروح عند الحيوانات. فحسب ما يقول ديكارت، الإنسان هو المالك والسيد فيما الحيوان ليس إلا مسيّراً وآلة حية، أو ما يمسيه بال «ماشينا-أنيماتا». عندما يئن الحيوان فالأمر لا يتعلق بشكوى بل بصرير تطلقه آلة تسير بشكل سيئ. فحين تئز عجلة عربة فهذا لا يعني أن العربة تتألم بل لأنها تحتاج إلى تشحيم. وبالطريقة ذاتها يجب أن يُفسّر نحيب الحيوان. ويجب ألا نشفق على كلب يُشرَّح وهو حيّ في مختبر.
Like (0)Dislike (0)
فهي لم تكن تملك , في مقابلة عالم التفاهة الذي يحيط بها، إلا سلاحاً واحداً: الكتب التي تستعيرها من مكتبة البلدية وخصوصاً الروايات. كانت تقرأ أكداساً منها، ابتداءً بفيلدنغ وانتهاءً بتوماس مان. كانت هذه الروايات تمنحها فرصة للهروب الخيالي، وتقتلعها من حياة لم تكن تعطيها أي شعور بالاكتفاء. لكنها كانت أيضاً تعني لها بصفتها أدوات: كانت تحب أن تتنزه وهي تتأبط كتباً. كانت تميّزها عن الآخرين مثلما كانت العصا تميز المتأنق في القرن الفائت.(المقارنة بين الكتاب وعصا المتأنق ليست صحيحة تماماً. فالعصا التي تميّر المتأنق كانت تجعل منه شخصاً عصرياً و «على الموضة». أمّا الكتاب الذي يميّز تيريزا عن النساء الأخريات فيجعلها خارج زمانها. كانت طبعاً أكثر شباباً من أن تفهم ما هو «قديم الزي» في شخصيتها. كانت تجد المراهقين الذين يتنزهون حولها حاملين ترانزستوارت زاعقة، بُلهاء، ولم يكن يخطر في بالها أنهم عصريون.)
Like (0)Dislike (0)
روى ﺟﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎب (ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ) عن اﺑﻦ ﻳﻬﻮذا مايلى:- ﻗﺎل: «ﻛﻨﺖ ﺻﺪﻳﻘًآ ﺣﻤﻴﻤﺎ ﻻﺑﻦ ﻳﻬﻮذا. ﻓﻔﻲ ذات ﻳﻮم ﻗﻠﺖ ﻟﻪ إذا ﻛﺎن ﺣﻘًآ أن اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺤﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺠﺴﺪ وﺗﺒﻘَﻰ ﻗﺎدرة ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ؛ً ﻓﻌﺪﻧﻲ وﻋﺪا ﺻﺎدﻗًﺎ أﻧﻚ إذا ﺗﻮﻓﻴﺖ ﻗﺒﲇ ﺗﺄﺗﻲ وﺗﺨﱪﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ، ﻷﻋﺪك ﺑﺄﻧﻨﻲ إذاً ﻣﺖ ﻗﺒﻠﻚ أﻓﻌﻞ — أﻳﻀﺎ — ذﻟﻚ. ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال وﺗﻮاﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ.ﱢ ﺛﻢ إﻧﻪ ﺗﻮﰲَ وﻣﺮت ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات دون أن ﻳﻈﻬﺮ ﱄ، وﻟﻜﻨﻨﻲ ﰲ ذات ﻟﻴﻠﺔ رأﻳﺘﻪ ﰲاﻟﺤﻠﻢ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: أﻳﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﺐ. أﻣﺎ وﻋﺪﺗﻨﻲ ﺑﺄن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ الموت وﺗﻄﻠﻌﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﺎﺟﺮى ﻟﻚ. ﻓﻀﺤﻚ وأدار ﻋﻨﻲ وﺟﻬﻪ. ﻓﻘﺒﻀﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻣﻦ ﻳﺪه وﻗﻠﺖ ﻟﻪ: «ﻻأﺗﺮﻛﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﱪﻧﻲ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪالموت». ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ: إن اﻟﻌﺎم ﻋﺎد إﱃاﻟﻌﺎم واﻟﺨﺎص دﺧﻞ ﰲ اﻟﺨﺎص. ﻓﻔﻬﻤﺖ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻛﻼﻣﻪ اﻟﺬي ﻣﻌﻨﺎه أن اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲﻫﻲ ﺟﻮﻫﺮ ﻋﺎم ﻗﺪ ﻋﺎدت إﱃ اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﻌﺎم. واﻟﺠﺴﺪ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻋﻨﴫ ﺧﺎص ﻗﺪﻋﺎد إﱃ اﻷرض ﻣﺴﺘﻘﺮ اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺨﺎص. ﺛﻢ اﻧﺘﺒﻬﺖ وأﻧﺎ أﻋﺠﺐ ﺑﺮﺷﺎﻗﺔ ﺟﻮاﺑﻪ...!!
Like (0)Dislike (0)
في مجتمع تتعايش فيه تيارات شتّى وحيث يمكن لتأثير هذه التيارات أن يُمحى أو يحدّ بشكل متناوب، يبقى في المستطاع الإفلات تقريباً من محاكم «الكيتش». ويمكن للفرد عندئذ أن يحافظ على تميزه، وللفنان أن يخلق أعمالاً فنيّة مدهشة. ولكن في البلدان التي يستأثر فيها حزب سياسي بالسلطة كلها، نجد أنفسنا حالاً في مملكة «الكيتش» الدكتاتورية.إذا كنت أقول ديكتاتورية فإني أقصد بذلك أن كل ما يطعن بـ «الكيتش» ملغىً من الحياة: كل إظهار للفردية، (لأن أي نشاز هو بصفة في وجه الأخوّة الباسمة) وكلّ شك (لأن من يبدأ بالشك في التفاصيل الصغيرة يتوصل في نهاية المطاف لأن يشك في الحياة بحد ذاتها). كذلك السخرية (لأن كل شيء في مملكة «الكيتش» يؤخذ على محمل الجد)، وأيضاً الأم التي هجرت عائلتها، أو الرجل الذي يفضّل الرجال على النساء مهدداً بذلك الشعار المقدس «تناسلو واملاؤا الأرض».انطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن ما يسمى بـ «الغولاغ» يمكن اعتباره ثغرة عفنة يرمي فيها «الكيتش» التوتاليتاري بأوساخه.
Like (0)Dislike (0)
يعتبر تفتيش المواطنين ومراقبتهم من النشاطات الاجتماعية الأساسية والدائمة في البلدان الشيوعية. فَلِكي ينال رسام حقّه في إقامة معرض أو مواطنٌ على تأشيرة لقضاء عطلته على الشاطئ، أو لكي تتم الموافقة على انضمام لاعب كرة إلى الفريق الوطني، يجب أن تجتمع أصلاً كل أنواع التقارير والشهادات التي تخصهم، (شهادة الناطور وزملاء العمل والشرطة وخلية موظّفون معدّون لهذه المهمة. أما ما يقال في هذه التصاريح فلا علاقة له البتة بموهبة المواطن في الرسم أو في لعب الكرة، ولا علاقة له بما إذا كانت تسمح له حالته الصحية بقضاء عطلة على الشاطئ. هناك أمر واحد يهم وهو ما يسمّى «بالخلفية السياسية للمواطن» (أي ماذا يقول المواطن، بماذا يفكر، كيف يتصرف، هل يشارك في الاجتماعات أو في التظاهرات في الأول من إيار). وبما أن كل شيء (الحياة اليومية والترقية والعطلات) مرتبط بالطريقة التي يقيّمون فيها سلوك المواطن، فإن الجميع مضطرون إذاً، (من أجل اللعب مع الفريق الوطني أو للتمكن من إقامة معرض، أو لقضاء عطلة على شاطئ البحر) للتصرف بطريقة تجعل علاماتهم حسنة.
Like (0)Dislike (0)