إن الدولة التي تعتمد على القوة وحدها سرعان ما يتقوض بناؤها، لأن الناس وإن يكونوا بطبعهم أغراراً، فهم كذلك بطلعهم ذوو عناد، والقوة مثل الضرائب تبلغ أكثر نجاح لها إذا ماكانت خفية غير مباشرة، ومن هنا لجأت الدولة - لكي تبقى على نفسها - إلى أدوات كثيرة تستخدمها وتصطنعها في بث تعاليمها - كالأسرة والكنيسة والمدرسة - حتى تبعث في نفس المواطن عادة الولاء للوطن والفخر به. ولقد أغناها هذا التنشيئ عن مئات من رجال الشرطة، وهيأ الرأي العام للتماسك في طاعة وانصياع، فمثل هذا التماسك لابد منه في حالة الحرب، وفوق هذا كله فإن الأقلية الحاكمة حاولت أن تحول سيادتها التي فرضتها على الناس فرضاً بقوتها إلى مجموعة من القوانين من شأنها أن تُبَلور سلطانها من جهة، وأن تقدم للناس ما يرحبون به من أمن ونظام من جهة أخرى وهي تعترف بحقوق ((الرعية)) اعترافاً تستميلها به إلى قبول القانون ومناصرة الدولة.قصة الحضارة - نشأة الحضارة - ص 47
Your Comment